أولا: حكم الدعوة إلى الله:
الدعـوة إلى الله واجب كفائي على الأمة الإسلامية جميعها لقوله تعالى: {كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله.. الآية} (آل عمران:110).
وقوله تعالى: {ادع إلى سبيل ربك} (النحل:125).. وقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون، وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل، وفي هذا ليكون الرسول شهيداً عليكم وتكونوا شهداء على الناس، فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة، واعتصموا بالله هو مولاكم فنعم المولى ونعم النصير} (الحج:77-78).
ويتعين الوجوب على الإمام لقوله تعالى: {الذين إن مكانهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة، وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور} (الحج:41) فجعل سبحانه وتعالى شرط التمكين إقامتهم للصلاة وأداءهم للزكاة وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر.
ولقوله صلى الله عليه وسلم: [فالإمام راع وهو مسئول عن رعيته] (متفق عليه) والدعوة إلى الله والجهاد في سبيله أولى واجباته.
ثم أولى العلم من المسلمين الذين أخذ الله عليهم الميثاق ببيان العلم وعدم كتمانه كما قال تعالى: {وإذا أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه..} (آل عمران:187).
وهذا تحذير من الله لهذه الأمة.. وقال تعالى: {إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون* إلا الذين تابوا، وأصلحوا، وبينوا فأولئك أتوب عليهم وأنا التواب الرحيم} (البقرة:159-160).
وقـال تعالى: {إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب ويشترون به ثمناً قليلاً أولئك ما يأكلون في بطونهم إلا النار ولا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم} (البقرة:174).
وقـال صلى الله عليه وسلم: [من سئل عن علم يعلمه فكتمه ألجمه الله يوم القيامة بلجام من نار] (رواه أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه عن أبي هريرة وصححه الألباني في صحيح الجامع 6284).
ويقول الشيخ عبدالعزيز بن باز حفظه الله: "أما بالنسبة لولاة الأمور، ومن لهم القدرة الواسعة فعليهم من الواجب أكثر، وعليهم أن يبلغوا الدعوة إلى ما استطاعوا من الأقطار" (الدعوة إلى الله وأخلاق الدعاة ص17).
ويقول أيضاً: "ونظراً إلى انتشار الدعوة إلى المبادئ الهدامة وإلى الإلحاد وإنكار رب العباد، وإنكار الرسالات، وإنكار الآخرة، وانتشار الدعوة النصرانية في الكثير من البلدان وغير ذلك من الدعوات المضللة نظراً إلى هذا، فإن الدعوة إلى الله عز وجل اليوم أصبحت فرضاً عاماً وواجباً على جميع العلماء وعلى جميع الحكام الذين يدينون بالإسلام، فرض عليهم أن يبلغوا دين الله" (الدعوة إلى الله وأخلاق الدعاة ص17).
ثانيا: فضل الدعوة إلى الله:
والدعوة إلى الله فضلها عظيم فهي مهمة الرسل والأنبياء، وهم أشرف الخلق وأكرمهم على الله، وهم الذين اختارهم الله لهداية البشر، والعلماء هم ورثة الأنبياء، وقيامهم بالدعوة أعظم تشريف لهم.. قال تعالى: {قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين} (يوسف:108).
ومن فضل الدعوة إلى الله أن [من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً. ومن دعا إلى ضلالة كان له من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئاً] (رواه مسلم).
والدعوة إلى الله هي التي من أجلها شرّف الله بها أمة الإسلام جميعاً فجعلها بذلك خير أمة أخرجت للناس، لأنها حملت رسالة الله إلى العالمين، وجاهدت بها كل الأمم فهم خير الناس للناس.
ثالثا: أهداف الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى:
* الأهداف العامة:
إرشاد الناس إلى صراط الله المستقيم، ودينه القويم، وإخراجهم من الظلمات إلى النور، ومن الشرك إلى التوحيد، ومن الجور والظلم إلى العدل والرحمة والإحسان.
والأدلة على هذا كثيرة جداً منها:
قوله تعالى: {ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير} (آل عمران:110).
وقوله تعالى:{وإنك لتدعوهم إلى صراط مستقيم} (المؤمنون:17).
وقوله تعالى: {وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم* صراط الله الذي له ما في السموات وما في الأرض إلا إلى الله تصير الأمور} (الشورى:52-53).
وقوله تعالى: {ادع إلى ربك} (الحج:67).
وقال تعالى: {قل إنما أمرت أن أعبد الله ولا أشرك به إليه أدعو} (الرعد:36)..
وقوله تعالى:{المر* كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد} (إبراهيم:1-4).
وأمة الإسلام التي هي خير الأمم قد أخرجها الله لهذه الغاية فقال سبحانه وتعالى: {كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله} (آل عمران:110)..
ولم يشرع الجهاد بالكلمة والمال والسيف إلا لتحقيق هذه الغايات، وقد أجمل ربعي بن عامر رضي الله عنه مهمة أمة الإسلام في الجهاد، فقال عندما أرسله سعد بن أبي وقاص لرستم قائد الفرس، فقال له رستم: لماذا جئتم؟ فقال: إن الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام. (البداية والنهاية 7/39).
أما المقصود من الدعوة والهدف منها:
فالمقصود والهدف الأعظم من الدعـوة هو إخراج الناس من الظلمات إلى النور وإرشادهم إلى الحق حتى يأخذوا به وينجوا من النـار، وينجوا من غضب الله، وإخراج الكافر من ظلمة الكفر إلى النور والهدى، وإخراج الجاهل من ظلمة الجهل إلى نور العلم، والعاصي من ظلمة المعصية إلى نور الطاعة، هذا هو المقصود من الدعوة كما قال جل وعلا: {الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور} (البقرة:257).
فالرسل بعثوا ليخرجوا من شاء الله من الظلمات إلى النور، ودعاة الحـق كذلك يقومون بالدعوة وينشطون لها لإخراج من شاء الله من الظلمات إلى النور، ومن العذاب إلى المغفرة والجنة، ومن طاعة الشيطان، والهوى إلى طاعة الله ورسوله.
* الأهداف التفصيلية:
1) إيجاد الأمة الصالحة الداعية إلى الله المجاهدة في سبيله:
من أول أهداف الدعوة العمل لإخراج الأمة الصالحة التي تعبد الله سبحانه وتعالى. قال سبحانه وتعالى: {هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم يتلو عليهم آياته، ويزكيهم، ويعلمهم الكتاب والحكمة، وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين} (الجمعة:2)..
وقال تعالى: {لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولاً من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين} (آل عمران:164)..
وقال تعالى: {هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيداً} (الفتح:28).
والأمة الصالحة: هي مجموع الأفراد الصالحين المجتمعين على الهدى والصراط المستقيم.
2) إيجاد المؤمن الصالح:
وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم: [لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من أن يكون لك حمر النعم] (متفق عليه).
وقوله صلى الله عليه وسلم: [يجيء النبي ومعه الرجلان ويجيء النبي ومعه الثلاثة، وأكثر من ذلك.. الحديث] (رواه أحمد وابن ماجه وصححه الألباني في صحيح الجامع 8033).
فهداية مؤمن ولو واحد تحقيق لهدف عظيم من أهداف الرسالات.
3) إقامة الحجة لله على الجاحدين والكافرين:
والدليل على ذلك قوله تعالى: {إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده، وأوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحق ويعقوب والأسباط وعيسى وأيوب ويونس وهارون وسليمان وآتينا داود زبوراً* ورسلاً قد قصصناهم عليك من قبل ورسلاً لم نقصصهم عليك وكلم الله موسى تكليماً* رسلاً مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل وكان الله عزيزاً حكيماً} (النساء:163-165).
4) النهي عن الفساد في الأرض:
وذلك لقوله تعالى: {فلولا كان من القـرون من قبلكم أولو بقية ينهون عن الفساد في الأرض إلا قليلاً ممن أنجينا منهم.. الآية} (هود:116).
والنهي عن الفساد في الأرض عصمة للجميع من عقوبة الله العاجلة في الدنيا كما قال تعالى: {وما كنا مهلكي القرى إلا وأهلها ظالمون} (القصص:59)..
وكل ما نهى الله عنه فهو من الفساد في الأرض قال تعالى: {إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون} (النحل:90).. وكل الرسل الذين أرسلهم الله نهوا أقوامهم عن الفساد والطغيان بعد أمرهم إياهم بتوحيد الله وعبادته وطاعته.
* فنوح عليه السلام نهى قومه عن الشرك بالله، وعبادة الصالحين، وهو أعظم الفساد والشر ونهاهم عن صد المؤمنينعن سبيل الله، واحتقارهم وازدرائهم..
* وهود عليه السلام نهى قومه عن الطغيان، والعتو في الأرض بإهدار الأموال في العبث والضياع، كما قال تعالى:{أتبنون بكل ريع آية تعبثون* وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون وإذا بطشتم بطشتم جبارين فاتقوا الله وأطيعون} (الشعراء:27-28).
* وصالح عليه السلام أمر قومه بعبادة الله وحده لا شريك له، ونبذ ما يعبد من دون الله ثم نهاهم عن الإفساد في الأرض بالصد عن سبيل الله، وإيثار الحياة الدنيا على الآخرة فقال لهم: {فاذكروا آلاء الله ولا تعثوا في الأرض مفسدين} (الأعراف:74).. وقـال لهم: {أتتركون في ما ههنا آمنين* في جنات عيون* وزروع ونخل طلعها هضيم* وتنحتون من الجبال بيوتاً فارهين* فاتقوا الله وأطيعون* ولا تطيعوا أمر المسرفين* الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون} (الشعراء:146-152).
* وشعيب عليه السلام نهى قومه بعد الشرك بالله قائلاً: {.. فأوفوا الكيل والميزان، ولا تبخسوا الناس أشياءهم، ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها، ذلكم خير لكم إن كنتم مؤمنين* ولا تقعدوا بكل صراط توعدون، وتصدون عن سبيل الله من آمن به وتبغونها عوجاً} (الأعراف:85-86)..
ولذلك فإن سبب ما يحصل لأهل الأرض من فساد أحوالهم ودنياهم هو المعاصي، ولذا كان من أعظم أهداف الدعوة إزالة هذا السبب.
* ورسالة رسولنا الخاتمة جاءت بالأمر بكل معروف، والنهي عن كل منكر، والبعد عن كل فساد في الأرض حتى لو كان عدواناً على حرث أو زرع كما قال تعالى: {ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام، وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد} (البقرة:204-205).
5) عمارة الأرض بالخير والعمل الصالح:
من أهداف الدعوة إلى الله عمارة الأرض بالخير، والعمل الصالح.. قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون} (الحج:77).. وقال تعالى: {ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير} (آل عمران:104)..
و(الخير): اسم جامع لكل نفع فالخلق الحسن خير، والبر والصلة والإحسان خير، وإعمار الأرض بالزرع النافع خير كما قال صلى الله عليه وسلم: [إن قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فإن استطاع أن لا تقوم حتى يغرسها فليغرسها] (رواه أحمد، والبخاري في الأدب المفرد وصححه الألباني في الجامع 1424).
ولا شك أن دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم قد استفاد منها كل العالمين حتى الذين لم يؤمنوا بالإسـلام كما قال سبحانه وتعالى: {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين} (الأنبياء:107) فإن تعاليم الإسلام التي جاءت بالفضيلة والإحسان، ونبذ الظلم، وإقامة العدل قد استفاد منها كثير من الأمم والشعوب، وإن لم تدخل في الإسلام، وقد أخذت كثير من دول العالم نظام الإسلام في المعاملات، فاستفادت بذلك فائدة دنيوية..
وقد جاء الإسلام برفع الظلم عن النساء، والعبيد، والضعفاء، فاستفاد الناس من ذلك، وجعل الإسلام حقوقاً للأسرى، ونظاماً في الحروب استفاد منه الكفار أيضاً.
فقد جاء الإسلام في وقت عم فيه الجهل والظلم، فغير نظرة الناس عمومهم نحو المرأة والعبد.. فأزال الفروق الجاهلية التي كان الناس يتفاضلون بها، ويقتتلون عليها كاللون، والوطن والأصل وأعلن في الناس جميعاً أنهم لآدم وآدم من تراب..
قـال تعالى:{يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير} (الحجرات:13).
وقد استفاد الناس من هذا التعاليم ولو بعد حين..
رابعا: أركان الدعوة إلى الله:
أركان الدعوة إلى الله ثلاثة هي:
1) المدعو إليه: وهو دين الإسلام الذي يراد دعوة الناس إليه وهو سبيل الله، وصراطه المستقيم.
2) الداعي: هو القائم بأمر دعوة الناس.
3) المدعو: وهو من يراد دعوته وهم الناس جميعاً بوجه عام وأهل الإسلام بوجه خاص.
الركن الأول: المدعو إليه:
الأصول العامة للركن الأول.
1) لا يدعي إلا إلى الإسلام:
الركن الأول في الدعوة إلى الله هو دين الإسلام الذي يراد دعوة الناس إليه، وحملهم عليه ودين الإسلام هو سبيل الله وصراطه المستقيم. قال تعالى: {ادع إلى سبيل ربك} (النحل:125).
وقال: {اهدنا الصراط المستقيم* صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين} (الفاتحة:6-7)..
وقال تعالى:{قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة} (يوسف:108).
وقال تعالى: {وادع إلى ربك ولا تكونن من المشركين} (القصص:87).
وقال: {وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم* صراط الله الذي له ما في السموات وما في الأرض ألا إلى الله تصير الأمور} (الشورى:52-53).
فالدعوة إلى الله هي الدعوة إلى توحيده والإيمان به، والدخول في دينه وصراطه المستقيم، وشرعه القويم، وهو دين الإسلام الذي بعث به خاتم الرسل صلى الله عليه وسلم..
قال شيخ الإسلام رحمه الله: "الدعوة إلى الله هي الدعوة إلى الإيمان به، وما جاءت به رسله بتصديقهم فيما أخبروا به، وطاعتهم فيما أمروا" (مجموع الفتاوى 15/157).
2) الإسلام هو كتاب الله وسنة رسوله، وما أجمعت عليه الأمة:
والإسلام هو ما يتضمنه كتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم التي وردتنا بطريق صحيح.. فهذا هو الحق الذي لا شائبة فيه، ولا يتطرق إليه خلل.
ثم ما أجمعت عليه الأمة كلها لأن هذه الأمة لا تجتمع على ضلالة، كما قال صلى الله عليه وسلم: [لا تجتمع أمتي على ضلالة].
وما سوى ذلك من رأي واجتهاد، فإنه يصيب ويخطئ، ولا يجوز حمل الناس على قول أحد إلا ما وافق كتاب الله وسنة رسوله.
وقال شيخنا وأستاذنا الشيخ عبدالعزيز بن باز -حفظه الله-: "أما الشيء الذي يدعى إليه ويجب على الدعاة أن يوضحوه للناس كما أوضحه الرسل عليهم الصلاة والسلام، فهو الدعوة إلى صراط الله المستقيم، وهو الإسلام، وهو دين الله الحق، هذا هو محل الدعوة كما قال سبحانه:{ادع إلى سبيل ربك} (النحل:125).
فسبيل الله جل وعلا هو الإسـلام وهو الصراط المستقيم وهو دين الله الذي بعث به نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم هذا هو الذي تجب الدعوة إليه لا إلى مذهب فلان ولا إلى رأي فلان، ولكن إلى دين الله، وإلى صراط الله المستقيم الذي بعث الله به نبيه وخليله وهو ما دل عليه القرآن العظيم والسنة المطهرة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم)" (الدعوة إلى الله وأخلاق الدعاة ص/26).
3) حقيقة الإسلام:
وحقيقة هذا الدين وهدفه هو عبادة الله وحده لا شريك له، ونبذ ما يعبد من دون الله، والاستسلام والخضوع لأوامره. قال تعالى: {إن الدين عند الله الإسلام} (آل عمران:19).. وقال تعالى: {ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين} (آل عمران:85).
وقال تعالى: {ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت} (النحل:36) وقال تعالى: {قل إنما يوحى إليّ أنما إلهكم إله واحد فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحداً} (الكهف:110).. وقال تعالى: {قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين* لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين} (الأنعام:162-163).
والخلق جميعاً ومنهم الإنس والجن قد خلقوا لهذه الغاية. قال تعالى: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون* ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون* إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين} (الذاريات:56-58).
4) الإسلام نظام شامل لكل أعمال الإنسان:
والإسلام نظام شامل كامل لتنظيم أعمال الإنسان جميعها على هذه الأرض، فهو أولاً يحدد عقيدة الإنسان، وعمله تجاه إلهه وخالقه سبحانه وتعالى. ثم عقيدته وعمله نحو أهل الإيمان ممن دخلوا في هذا الدين ثم عقيدته وعمله نحو كل مخلوقات الله التي تحيط بالإنسان في السموات والأرض..
وفي كل هذه الأمور تأتي الأحكام الشرعية التكليفية الخمسة: الوجوب والندب، والإباحة، والتحريم، والكراهة..
فلا يوجد عمل ولا اعتقاد إلا وفيه حكم من هذه الأحكام. قال تعالى: {ونزلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شيء، وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين} (النحل:89).. وقال تعالى: {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً} (المائدة:3).
وقد بين سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز حفظه الله الكليات العامة للإسلام الذي تجب الدعوة إليه فقال:
"وعلى رأس الدعوة إلى الإسلام الدعوة إلى العقيدة الصحيحة إلى الإخلاص لله وتوحيده بالعبادة والإيمان به وبرسله والإيمان باليوم الآخر، وبكل ما أخبر الله به، ورسوله، هذا هو الأساس الصراط المستقيم. وهو الدعوة إلى شهادة ألا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ومعنى ذلك: الدعوة إلى توحيد الله والإخلاص له والإيمان به وبرسله عليهم الصلاة والسلام، ويدخل في ذلك الدعوة إلى الإيمان بكل ما أخبر الله به ورسله مما كان وما يكون من أمر الآخرة، وأمر آخر الزمان، وغير ذلك..
ويدخل في ذلك أيضاً الدعـوة إلى ما أوجب الله من إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت إلى غير ذلك..
ويدخل أيضاً في ذلك الدعوة إلى الجهاد في سبيل الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والأخذ بما شرع الله في الطهارة والصلاة والمعاملات والنكاح والطلاق والجنايات والنفقات والحرب والسلم وفي كل شيء لأن دين الله عز وجل دين شامل يشمل مصالح العباد في المعاش والمعاد ويشمل كل ما يحتاج إليه الناس في أمر دينهم ودنياهم، ويدعو إلى مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال، وينهى عن سفاسف الأخلاق، وعن سيء الأعمال..
فهو عبادة وقيادة، يكون عابداً ويكون قائداً للجيش، عبادة، وحكم ويكون عابداً مصلياً صائماً، ويكون حاكماً بشرع الله منفذاً لأحكامه عز وجل، عبادة وجهاد ويدعو إلى الله ويجاهد في سبيل الله من خرج عن دين الله، مصحف وسيف: يتأمل القرآن ويتدبره وينفذ أحكامه بالقوة ولو بالسيف إذا دعت الحاجة إليه، سياسة واجتماع فهو يدعو إلى الأخلاق الفاضلة والأخوة الإيمانية، والجمع بين المسلمين والتأليف بينهم كما قـال جل وعلا: {واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا} (آل عمران:103)..
فدين الله يدعو إلى الاجتماع وإلى السياسة الصالحة الحكيمة التي تجمع الأخوة الإسلامية والتعاون على البر، والتقوى، والنصح لله ولعباده.
وهو أيضاً يدعو إلى أداء الأمانة والحكم بالشريعة، وترك الحكم بغير ما أنزل الله عز وجل كما قال سبحانه: {إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل..} (النساء:58).
وهو أيضاً سياسة واقتصاد كما أنه سياسة وعبادة وجهاد، فهو يدعو إلى الاقتصاد الشرعي المتوسط ليس رأسمالي تكسب المال، وتطلبه بالطرق الشرعية، وأنت أولى بمالك وبكسبك بالطريقة التي شرعها الله وأباحها جل وعلا.
والإسلام أيضاً يدعو إلي الأخوة الإيمانية وإلى النصح لله ولعباده وإلى احترام المسلم لأخيه المسلم لا غل ولا حسد ولا غش ولا خيانة، ولا غير ذلك من الأخلاق الذميمة كما قال جل وعلا: {والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض} (التوبة:71) وقال جل وعلا: {إنما المؤمنون أخوة} (الحجرات:10)..
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: [المسلم أخو المسلم لا يظلمه، ولا يخذله، ولا يحقره..] (متفق عليه).
فالمسلم أخـو المسلم يجب عليه احترامه، وعدم احتقاره، ويجب عليه إنصافه وإعطاؤه حقه من كل الوجوه التي شرعها الله عز وجل، وقال صلى الله عليه وسلم: [المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً ] (متفق عليه). وقال صلى الله عليه وسلم: [المؤمن مرآة المؤمن] (رواه الطبراني في الأوسط وصححه الألباني في الجامع 6655).
فأنت يا أخي مرآة أخيك وأنت لبنة من البناء الذي قام عليه بنيان الأخوة الإيمانية، فاتق الله في حق أخيك واعرف حقه، وعامله بالحق والنصح والصدق.
وعليك أن تأخذ الإسلام كله ولا تأخذ جانباً دون جانب، لا تأخذ العقيدة وتدع الأحكام والأعمال، ولا تأخذ الأعمال والأحكام، وتدع العقيدة، بل خذ الإسلام كله، خذه عقيدة وعملاًوجهاداً، وسياسة، واقتصاداً، وغير ذلك خذ من كل الوجوه كما قال سبحانه: {يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة ولا تتبعوا خطوات الشيطان أنه لكم عدو مبين} (البقرة:208).
قـال جماعة من السلف معنى ذلك: ادخلوا في السلم جميعه يعني في الإسلام، يقال للإسلام سلم لأنه طريق السلامة وطريق النجاة في الدنيا، والآخرة، فهو سلم وإسلام، فالإسلام يدعو إلى السلم، يدعو إلى حقن الدماء بما شرع من الحدود والقصاص.
والجهاد الشرعي الصادق فهو سلم وإسلام، وأمن وإيمان ولهذا قال جل وعلا: {ادخلوا في السلم كافة} أي ادخلوا في جميع شعب الإيمان، لا تأخذوا بعضاً وتدعوا بعضاً، عليكم أن تأخذوا بالإسـلام كله، {ولا تتبعوا خطوات الشيطان} (البقرة:168) يعني المعاصي التي حرمها الله عز وجل، فإن الشيطان يدعو إلى المعاصي وإلى ترك دين الله كله، فهو أعدا عدو..
ولهذا يجب على المسلم أن يتمسك بالإسلام كله وأن يدين بالإسلام كله وأن يعتصم بحبل الله عز وجل وأن يحذر أسباب الفرقة والاختلاف في جميع الأحوال..
فعليك أن تحكم شرع الله في العبادات وفي المعاملات وفي النكاح، والطلاق، وفي النفقات، وفي الرضاع، وفي السلم، والحرب، ومع العدو والصديق، وفي الجنايات، وفي كل شيء.. دين الله يجب أن يحكم في كل شيء..
وإياك أن توالي أخاك لأنه وافقك في كذا وتعادي الآخر لأنه خالفك في رأي أو في مسألة، فليس هذا من الإنصاف، فالصحابة رضي الله عنهم اختلفوا في مسائل، ومع ذلك لم يؤثر ذلك في الصفاء بينهم والموالاة والمحبة رضي الله عنهم وأرضاهم.. فالمؤمن يعمل بشرع الله ويدين بالحق ويقدمه على كل أحد بالدليل، ولكن لا يحمله ذلك على ظلم أخيه وعدم إنصافه إذا خالفه في الرأي في مسائل الاجتهاد التي قد يخفي دليلها، وهكذا في المسائل التي قد يختلف في تأويل النص فيها فإنه قد يعذر، فعليك أن تنصح له وأن تحب له الخير ولا يحملك ذلك على العداء والانشقاق وتمكين العدو منك ومن أخيك ولا حول ولا قوة إلا بالله.
الإسلام دين العدالة، ودين الحكم بالحق والإحسان، ودين المساواة إلا فيما استثنى الله عز وجل، ففيه الدعوة إلى كل خير وفيه الدعوة إلى مكارم الأخلاق، ومحاسن الأعمال، والإنصاف، والعدالة، والبعد عن كل خلق ذميم. قال تعالى: {إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون} (النحل:90)..
وقال تعالى : {يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير} (الحجرات:13).
والخلاصة: إن الواجب على الداعية الإسلامي أن يدعو إلى الإسلام كله، ولا يفرق بين الناس، وأن لا يكون متعصباً لمذهب دون مذهب أو لقبيلة دون قبيلة، أو لشيخه، أو رئيسه، أو غير ذلك، بل الواجب أن يكون هدفه إثبات الحق وإيضاحه، واستقامة الناس عليه وإن خالف رأي فلان أو فلان، ولما نشأ في الناس من يتعصب للمذاهب ويقول: إن مذهب فلان أولى من مذهب فلان، جاءت الفرقة والاختلاف حتى آل ببعض الناس هذا الأمر إلى أن لا يصلي مع من هو على غير مذهبه فلا يصلي الشافعي خلف الحنفي، ولا الحنفي خلف المالكي، ولا خلف الحنبلي، وهكذا وقع من بعض المتطرفين المتعصبين، وهذا من البلاء ومن اتباع خطوات الشيطان..
فالأئمة أئمة هدى، الشافعي ومالك، وأحمد، وأبو حنيفة والأوزاعي، وإسحاق بن راهويه، وأشباههم كلهم أئمة هدى ودعاة حق دعوا الناس إلى دين الله وأرشدوهم إلى الحق، ووقع هناك مسائل بينهم اختلفوا فيها لخفاء الدليل على بعضهم فهم بين مجتهد مصيب له أجران، وبين مجتهـد أخطأ الحق فله أجر واحد، فعليك أن تعرف لهم قدرهم وفضلهم وأن تترحم عليهم وأن تعرف أنهم أئمة الإسلام ودعاة الهدى، ولكن لا يحملك ذلك على التعصب والتقليد الأعمى، فتقـول: مذهب فلان أولى بالحق بكل حال، أو مذهب فلان أولى بالحق بكل حال لأنه لا يخطئ (لا) هذا غلط.
عليك أن تأخذ بالحق وأن تتبع الحق إذا ظهر دليله ولو خالف فلاناً أو فلاناً، وعليك ألا تتعصب وتقلد تقليداً أعمى، بل تعرف للأئمة فضلهم وقدرهم، ولكن مع ذلك تحتاط لنفسك ودينك فتأخذ بالحق وترضى به وترشد إليه إذا طلب منك وتخاف الله وتراقبه جل وعلا وتنصف من نفسك مع إيمانك بأن الحق واحد وأن المجتهدين إن أصابوا فلهم أجران، وإن أخطأوا فلهم أجر واحد -أعني مجتهدي أهل السنة، أهل العلم والإيمان والهدى- كما صح بذلك الخير عن رسول الله صلى الله عليه وسلم" أ.هـ (الدعوة إلى الله وأخلاق الدعاة ص/27-35).