في استقبال رمضان
لا بد لكل مسلم ومسلمة ان يستقبل هذا الضيف الكريم كما يستقبل أعز الضيوف لديه , ويعرف أن فرصة رمضان قد لا تأتي عليه مرة أخرى , فالصوم سبيل لدخول الجنة , وسبيل لنيل شرف الله تعالى ورضاه , عن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه" [رواه البخاري ومسلم].
روى الإمام مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " من أصبح منكم اليوم صائماً؟ قال أبو بكر أنا قال فمن تبع منكم اليوم جنازة. قال أبو بكر أنا قال فمن عاد منكم اليوم مريضاً ؟ قال أبو كبر أنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما اجتمعن في امرئ إلا دخل الجنة ".
فاستعد – أيها المسلم وأيتها المسلمة – لاستقبال هذا الشهر الحبيب , وتعرف على ما هو مطلوب منك قبل حلول شهر رمضان .
وفقنا الله وإياك لطاعة الرحمن , ونيل الرضا من الكريم المنان .
المسلم الحق هو من يحسن استقبال شهر رمضان ويعرف أنه مطلوب منه قبل حلول شهر رمضان عدة أمور منها :
1- التوبة والاستغفار.
قال تعالى : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ( التحريم , وقال : " فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ (61)هود.
عَنْ أَبِي مُوسَى عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قال: " إِنَّ الله عَزَّ وَجَلَّ يَبْسُطُ يَدَهُ بِاللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النهارِ، وًيبْسُطُ يَدَهُ بِالنهارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا" .أخرجه أحمد 4/395 ومسلم 8/99 .
ولهذا قال النبي: "يا أيها الناسُ! توبوا إلى اللهِ واستغفروه؛ فإني أتوبُ إلى الله وأستغفره في كلِّ يومٍ مائةَ مرةٍ". [أخرجه مسلم، وصححه الألباني]
يا نفسُ توبي فإنَّ الموتَ قد حانا
يا نفسُ توبي مِنَ المعاصي وازدجري
مضى الزمانُ وولَّى العُمُرُ في لَعِبٍ
واعصي الهوى فالهوى مازالَ فتَّانَا
واخشي إلهنا سِرًّا وإعلانَا
يكفيكِ ماقد مضى قد كان ماكانا
وللتوبة شروط منها :
إذا كان الذنب في حق الله عز وجل فشروط التوبة ثلاثة هي: الندم، والإقلاع عن الذنب، والعزم على عدم العودة. قال تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ [التحريم: 8] .
يا ربِّ إنْ عَظُمَتْ ذنوبي كثرةً
إنْ كانَ لا يرجوكَ إلا محسنٌ
مالي إليكَ وسيلةٌ إلا الرَّجَا
فلقد عَلِمتُ بأنَّ عفوَكَ أعظمُ
فمَنِ الذي يدعو ويرجو المجرمُ
وجميلُ عفوِكَ ثم أني مسلمُ
علامات صحة التوبة:
أن يكون العبد بعد التوبة خيرًا مما كان قبلها.
أن لا يزال الخوف مصاحبًا له، لا يأمن مكر الله طرفة عين، فخوفه مستمر إلى أن يسمع قول الرسل لقبض روحه: ألا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ [فصلت: 30] فهناك يزول خوفه.
انخلاع القلب وتقطعه ندمًا وحسرة على ما فرط منه، وخوفًا من سوء عاقبته؛ فمَن لم يتقطع قلبه في الدنيا على ما فرط منه تقطع في الآخرة إذا حقت الحقائق وعاين ثواب المطيعين وعقاب العاصين.2- التحلل من المظالم والأوزار.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، قَالَ:مَنْ كَانََتْ عِنْدَهُ مَظْلَمَةٌ مِنْ أَخِيهِ مِنْ عِرْضِهِ أَوْ مَالِهِ فَلْيَتَحَلَّلْهُ الْيَوْمَ ، قَبْلَ أَنْ يُؤْخَذَ حِينَ لاَ يَكُونُ دِينَارٌ وَلاَ دِرْهَمٌ ، وَإِنْ كَانَ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ أُخِذَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَظْلَمَتِهِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ صَاحِبِهِ فَجُعَلَتْ عَلَيْهِ. 3- تصفية القلوب لله الواحد القهار.
قال تعالى : {أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِّن رَّبِّهِ فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} (22) سورة الزمر .
- {فَمَن يُرِدِ اللّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ} (125) سورة الأنعام
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم(( إذا جمع الله الخلائق يوم القيامةنادىمنادي:أين أهل الفضل؟؟فيقوم الناس وهم يسيرون فينطلقون سراعا إلى الجنةفتتلقاهم الملائكة فيقولون لهم إنا نراكم سراعا إلى الجنة فيقولون نحنأهل الفضل فيقولون لهم ماكان فضلكم؟؟ فيقولون كنا إذا ظلمنا صبرنا وإذاأسيء إلينا عفونا وإذا جهل علينا حلمنا...فيقال لهم أدخلوا الجنة فنعم أجر العاملين...
4- الحرص على نيل الشرف من العزيز الغفار .
عن سهل بن سعد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " أتاني جبريل ، فقال : يا محمد عش ما شئت فإنك ميت و أحبب من شئت ، فإنك مفارقه و اعمل ما شئت فإنك مجزي به ، و اعلم أن شرف المؤمن قيامه بالليل و عزه استغناؤه عن الناس " .أخرجه الطبراني في " الأوسط
فرمضان فرصة للتغيير .. ليصبح العبد من المتقين الأخيار ، ومن الصالحين الأبرار . يقول الله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة:183] فقوله { لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} تعليل لفرضية الصيام ؛ ببيان فائدته الكبرى ، وحكمته العظمى . وهي تقوى الله والتي سأل أميرُ المؤمنين عمرُ رضي الله عنه الصحابيَ الجليل ؛ أبيَ بن كعب رضي الله عنه عن معنى التقوى ومفهومها ؟ فقال يا أمير المؤمنين : أما سلكت طريقا ذا شوك ؟ قال : بلى .. قال : فما صنعت ؟ قال : شمرتُ واجتهدت .. أي اجتهدتُ في توقي الشوك والابتعاد عنه ، قال أبي: فذلك التقوى إذن فالتقوى : حساسيةٌ في الضمير ، وشفافيةٌ في الشعور ، وخشيةٌ مستمرة ، وحذرٌ دائم ، وتوق لأشواكِ الطريق ؛طريقِ الحياة الذي تتجاذبُه أشواكُ الرغائبِ والشهوات ، وأشواكُ المخاوفِ والهواجس ، وأشواكُ الفتنِ والموبقات ، وأشواكُ الرجاءِ رمضانُ أقبل قم بنا يا صاح *** هذا أوان تبتل وصلاح
واغنم ثواب صيامه وقيامه *** تسعد بخير دائم وفلاحورمضان فرصة للتغيير .. لمن ابتلاه الله تعالى بتعاطي الحرام ، من خمر ومخدرات ، أو دخان و مسكرات ، أن لا يفعل بعد إفطاره ما يخل بهذه العزيمة القوية ، أو يوهنها ، أو يقلل من شأنها ،تلك العزيمة التي جعلته يمسك طوال ساعات النهار ، فيهدم في ليله ما بناه في نهاره من قوة الإرادة التي صبر بسببها عن محبوباته ومألوفاته .
إذا ما خلوت الدهر يوما فلا تقل *** خلوت ولكن قل عليّ رقيب
فاتق الله أيها الشاب ، واتقي الله أيتها الفتاة ، وليكن رمضان فرصة لتغيير المسار والابتعاد عن الأخطار ، وهتك الأعراض فالزنا دين كما قال الشاعر :
يا هاتكاً حرم الرجال وتابعاً *** طرق الفساد فأنت غير مكرم
من يزن في قوم بألفي درهم *** في أهله يزني بربع الدرهم
إن الزنى دين إذا استقرضته *** كان الوفا من أهل بيتك فاعلم
ورمضان فرصة للتغيير .. لمن تعود على حياة المترفين ، ونشأ على حب الدعة واللين ، أن يأخذ من رمضان درسا في تربية النفس على المجاهدة والخشونة في أمر الحياة عن أبي عثمان النهدي قال : أتانا كتاب عمر بن الخطاب : ( اخشوشنوا واخشوشبوا واخلولقوا وتمعددوا التمعدد أي العيش الخشن الذي تعرفه العرب كأنكم معد وإياكم والتنعم وزي العجم.) .
5- الفرح بقدوم رمضان والاستبشار .
يقول المولى سبحانه: يأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:183]. ويقول جل وعلا: شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِى أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ [البقرة:185]. وعن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعوا ببلوغه رمضان. فإذا دخل شهر رجب قال: "اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلغنا رمضان".
مضى رجبٌ فما أحسنتَ فيه * * وولَّى شهرُ شعبان المبارَكْ
فيا مَن ضيَّع الأوقاتَ جهلاً * * بحُرمتها أفِقْ واحذربوارَكْ
فسوف تُفارق اللذاتِ قسراً * * ويُخلي الموتُ كُرْهاً مِنك دارَكْ
تدارَكْ ما استطعتَ مِن الخطايا * * بتوبةِ مُخْلِصٍ واجعلْ مدارَكْ
على طلب السلامة مِن جحيمٍ * * فخير ذوي الجرائم مَن تدارَكْ
لا حرمني الله وإياكم أجر الصيام والقيام, ومرضاة الملك العلام , وغفر لنا الذنوب , وستر لنا العيوب , وطهر لنا القلوب , وجعل الجنة مثوانا , ونعيم الرحمن مؤانا , ورزقنا التوبة النصوح الخالصة