لماذا الاجتهاد في شعبان؟
الاجتهاد في شعبان يكون لأمور منها:-
أولاً: حتى يتعود الإنسان منَّا فعل الخيرات وترك المنكرات فيكون له سجية وطبع وعادة، والأمر كما قال النبي صلى الله عليه وسلم :
"الخير عادة والشر لجاجة، ومَن يُرِد الله به خيراً يفقهه في الدين" (أخرجه ابن ماجة بسند صحيح)
ومن الفقه في الدين عمل الخيرات في كل الأوقات، وخصوصاً الأوقات الفاضلات.
ثانياً: الاجتهاد في شعبان يكون استعداداً لرمضان:
وكما هو معلوم أن رمضان من الأوقات الفاضلات، ومن النفحات الربانية على الأمة المحمدية، والأمر كما قال خير البرية صلى الله عليه وسلم :: "افعلوا الخير دهركم، وتعرضوا لنفحات رحمة الله، فإن لله نفحات من رحمته، يصيب بها مَن يشاء من عباده، وسلوا الله أن يستر عوراتكم، وأن يُؤمِّن روعاتكم" (أخرجه ابن أبى الدنيا والطبراني من حديث أنس رضي الله عنه)
وعند الطبراني في الأوسط من حديث محمد ابن مسلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم :قال:
"إن لربكم في أيام دهركم نفحات، فتعرضوا لها, لعل أحدكم أن يصيبه منها نفحة لا يشقى بعدها أبداً"
ولقد بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم :في هذه الأحاديث أنه ينبغي على الإنسان منَّا أن يتعرض لهذه النفحات الربانية، والمنح الإلهية. وشهر رمضان من النفحات الربانية، والمنح الإلهية على الأمة المحمدية.
ففي رمضان منح الرحمن، ونسائم القرآن، وروائح الجنان, فيه تطيب الأفواه، وتطهر الألسنة، وتصان الفروج, وتمنع الآثام, فهو جُنة من الزلل, ووقاية من المعاصي، وحصن من السيئات.
لا يخيب فيه سائل، أو يُطرد عنه محروم, عطاؤه كثير، وفيضه عميم، تُوِّج بليلة القدر، وتشرف بنزول القرآن, وبورك بنزول الملائكة، ورُفعت فيه راية المُوحِّدين, فقد تم فيه نصر بدر, وفيه تم فتح مكة، فكان هو الفوز في البدء والختام والفرح بالسيادة والإيمان.
فالحمد لله لِمَا أولانا فيه من النعيم, وحبانا فيه من الرحمات والطيبات.
فهو شهر... تنهمر فيه الرحمات من رب البريَّات .
وهو شهر... مبارك كريم وموسم رابح عظيم و شهر تتضاعف فيه الحسنات.
وهو شهر... أنزل الله فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان.
وهو شهر... من صامه إيماناً واحتساباً غُفِر له ما تقدم من ذنبه.
وهو شهر... من قامه إيماناً واحتساباً غُفِر له ما تقدم من ذنبه
وهو شهر... فيه ليلة خير من ألف شهر من قامها إيماناً واحتساباً غُفِر له ما تقدم من ذنبه
وهو شهر... تفتح فيه أبواب الجنان فلا يغلق منها باب.
وهو شهر... تغلق فيه أبواب النيران فلا يفتح منها باب.
وهو شهر... تُصفَّد فيه الشياطين ومردة الجان.
وهو شهر... مَن أتى فيه بعمرة كان كمن حج مع النبي صلى الله عليه وسلم :
وهو شهر... مَن فَطَّر فيه صائماً كان له مثل أجره.
وغير ذلك من الجوائز والمنح الربانية، والتي وهبها رب البرية للأمة المحمدية، فهنيئاًَ لمَن تَعرَّض لهذه النفحات، وخرج من رمضان وقد غُفِر له جميع السيئات.
فمن أراد أن يفوز بجوائز رمضان فليستعد لها من الآن
فإنه لا يحصل على جوائز رمضان وهذه المنح الربانية، إلا لمن استعد لها من شعبان.
ولذلك جاء في الحديث الذي أخرجه الترمذي والبيهقي بسند فيه مقال عن أنس رضي الله عنه:
"سُئِل النبي صلى الله عليه وسلم :أي الصوم أفضل بعد رمضان؟ قال: شعبان؛ لتعظيم رمضان"(ضعيف الجامع:1023)
وإن كان الحديث ضعيفاً إلا أن معناه صحيح.
ومن المعلوم أن الفرض يسبقه نافلة ويعقُبه نافلة, والنافلة التي تتبع الفرض وتكون بعده إنما تكون لجبر النقص الذي تم في الفرض، وأما السنة القبلية والتي تسبق الفرض هي بمثابة التوطئة والتمهيد لاستقبال الفرض, وتعويد النفس على فعل الخير، كما سبق معنا في الحديث الذي أخرجه ابن ماجة: "الخير عادة والشر لجاجة" فمن تَدَّرب في شعبان على الصيام، والقيام، وقراءة القرآن، والصدقة، كان كذلك في رمضان. ومَن لم يتعود من الآن على فعل الخيرات؛ فإنه سيخرج من رمضان كما دخل فيه، وله حظ ونصيب من هذا الحديث الذي أخرجه الترمذي والحاكم:
"رغم أنف رجل دخل عليه رمضان ثم انسلخ قبل أن يُغْفر له"
ويخرج من رمضان وهو غير راض عن نفسه، ويُمَنِّي نفسه أنه في العام القادم سيكون أكثر اجتهاداً ونشاطاً. لكن مَن يضمن عمره؟! ومَن يضمن قلبه؟!
فالعمر بيد الله, كما أن القلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن يُقلِّبُها كيف يشاء, فربما كتب الله له البقاء حتى أدرك رمضان القادم كما كان يتمنَّى, لكن هل يضمن قلبه؟! فإذا كان خرج من رمضان وهو موسم المغفرة سفر اليدين, فمتى سيغفر له إن لم يغفر له في رمضان فمتى؟! إن لم تثمر الشجرة في أوانها فمتى تثمر؟!
فهيا... هيا من الآن نستعد لموسم الغفران.