طرق الإجتهاد في شعبان وما حكم الصيام بعد النصف من شعبان والاجتهاد في شعبان يكون عن طريق:-
1. المحافظة على الفرائض، وعدم التفريط فيها، والإكثار من النوافل:
فقد أخرج البخاري من حديث أبى هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: قال الله عز وجل
"وما تقرب إليّ عبدي بشيء أحب إليّ مما افترضتُ عليه، وما يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به, وبصره الذي يبصر به, ويده التي يبطش بها, ورِجْله التي يمشى بها، وإن سألني لأعطينَّهُ، ولئن استعاذني لأعيذنَّهُ"
وكما أن مجاهدة النفس، والإكثار من النوافل سبب لمحبة الله, فهي كذلك سبب في سكنى أعلى درجات الجنة مع الحبيب النبي صلى الله عليه وسلم
فقد أخرج الإمام مسلم من حديث ربيعة بن كعب الأسلمي رضي الله عنه:
"أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: سل، فقلت: أسالك مرافقتَكَ في الجنة، قال: أوغير ذلك. قلت: هو ذاك. قال: فأعنِّي على نفسك بكثرةِ السجود"
فبكثرة السجود يصل المرء إلى هذه الأشواق العالية من مصاحبة خير البرية في الجنة, ولا تكون هذه المصاحبة بالأماني والإدِّعاءات الكاذبة.
2. الإكثار من الصيام في شعبان:
أ- فقد أخرج البخاري عن عائشة – رضي الله عنها – قالت:
"كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم حتى نقول: لا يُفطر، ويُفطر حتى نقول: لا يصوم، وما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استكمل صيام شهرٍ إلا رمضان، وما رأيته أكثر صياماً من شعبان"
وفي رواية: "وما رأيته في شهر أكثر صياماً منه في شعبان:
ب- وأخرج البخاري ومسلم من حديث عائشة – رضي الله عنها- قالت:
" لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يصوم من شهر أكثر من شعبان، فإنه كان يصوم شعبان كله"
وفي رواية في الصحيحين: "كان يصوم شعبان إلا قليلاً"
روى ابن وهب عن عائشة رضي الله عنها قالت:
"ذكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم ناس يصومون رجب، فقال: أين هم من شعبان؟!"
وباع قوم من السلف جارية لأحد الناس: فلما أقبل رمضان أخذ سيدها الجديد يتهيأ بألوان المطعومات والمشروبات لاستقبال رمضان، كما يصنع كثير من الناس اليوم، فلما رأت الجارية ذلك منهم، قالت: لماذا تصنعون ذلك؟ قالوا: لاستقبال شهر رمضان. فقالت: وأنتم لا تصومون إلا في رمضان، والله لقد جئت من عند قوم السَّنَة عندهم كأنها كلها رمضان، لا حاجة لي فيكم، رُدُّوني إليهم، ورجعت إلى سيدها الأول".
فعليك أخي الفاضل وأختي الفاضلة ... أن تكثر من الصيام في شعبان, والذي يدفعك للإكثار من الصيام فيه، وفي غيره أن تعلم فضل الصيام.
فقد أخرج البخاري ومسلم من حديث أبى سعيد الخدري رضي الله عنه:قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"لا يصوم عبد يوماً في سبيل الله إلا باعد الله بذلك اليوم وجهه عن النار سبعين خريفاً"
هذا بصيام يوم واحد فقط نافلة، في حين أن رب العالمين يقول في كتابه الكريم:
{ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ }(آل عمران:185)
فما بالك بمَن زحزح وجهه عن النار سبعين خريفاً؟!!
تنبيه:
ذهب الشافعية: إلى عدم جواز الصيام بعد النصف من شعبان
واستدلوا بالحديث الذي أخرجه أبو داود والترمذي عن أبى هريرة رضي الله عنه:
"أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا انتصف شعبان فلا تصوموا"
بينما ذهب جمهور أهل العلم: إلى جواز الصيام بعد النصف من شعبان.
وحكم أهل العلم على الحديث السابق ب"النكارة", (فهو حديث منكر), وحكم عليه البعض بالشذوذ؛ لأنه يخالف الحديث الذي أخرجه البخاري ومسلم من حديث أبى هريرة رضي الله عنه::
"أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا يتقدمن أحدكم رمضان بصوم يوم أو يومين, إلا أن يكون رجل كان يصوم صومه؛ فليصم ذلك اليوم"
وفى هذا الحديث دليل على جواز الصيام بعد النصف من شعبان
ويدل على ذلك أيضاً: الأحاديث المتقدمة في صفة صيام النبي صلى الله عليه وسلم في شعبان.
أضف إلى هذه الأدلة حديثاً آخر أخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجة بسند صحيح عن أم سلمة-رضي الله عنها- قالت:"ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يصوم شهرين متتابعين إلا شعبان ورمضان"
وفي رواية أخرى عند أبي داود أنها قالت:"أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن يصوم من السنة شهراً تاماً إلا شعبان يصله برمضان" (صحيح الترغيب:1025، صحيح أبي داود:2048)
فالراجح: هو قول الجمهور على جواز الصيام بعد النصف من شعبان, على أن يتوقف عن الصيام قبل رمضان بيوم أو يومين، إلا صوماً كان يصومه أحدهم، أي أنه إذا كان من عادته صيام الاثنين والخميس فجاء رمضان يوم الثلاثاء، فلا مانع أن يصوم يوم الاثنين، وهو ما قبل رمضان بيوم, فهذا جائز بنص الحديث. والله أعلم.
3. ويستحب الإكثار من الصدقة، وقراءة القرآن في شعبان:
يقول ابن رجب رحمه الله كما في "لطائف المعارف":
"والصيام في شعبان كالتمرين على صيام رمضان؛ لئلا يدخل في صوم رمضان على مشقة وكلفة, بل يكون قد تمرن على الصيام واعتاده, ووجد بصيام شعبان قبله حلاوة الصيام ولذته؛ فيدخل في صيام رمضان بقوة ونشاط.
ولما كان شعبان كالمقدمة لرمضان، شُرِع فيه ما شُرِع في رمضان، من الصيام، وقراءة القرآن؛ ليحصل التأهب لتلقي رمضان، وترتاض النفوس بذلك على طاعة الرحمن
وقد روينا بإسناد ضعيف عن أنس رضي الله عنه: قال:
"كان المسلمون إذا دخل شعبان، انكبوا على المصاحف فقرءوها، وأخرجوا زكاة أموالهم تقوية للضعيف والمسكين على صيام رمضان"
قال سلمة بن كهيل: "كان يقال: شهر شعبان شهر القراء"
وكان حبيب بن أبى ثابت- رحمه الله- يقول: "إذا دخل شعبان قال: هذا شهر القراء "
وكان عمرو بن قيس الملائي: "إذا دخل شعبان أغلق حانوته, وتفرغ لقراءة القرآن"
قال الحسن بن سهل: "قال شعبان: يا ربِّ... جعلتني بين شهرين عظيمين، فما لي؟ قال: جعلت فيك قراءة القرآن" . أه من كلام ابن رجب
يكفيك أن تعرف أخي الكريم وأختي الفاضلة ... أن لك بكل حرف تقرؤه حسنة، والحسنة بعشر أمثالها
فقد أخرج الترمذي بسند صحيح عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه:
" أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من قرأ حرفاً من كتاب الله فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول: "آلم" حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف".
وفضائل القرآن كثيرة كثيرة لا يسعنا ذكرها في هذا المقام.فهيا بنا أخواني واخواتي في الله نجتهد ونصوم غداً الخميس ونصوم 13 و14 و15 من شهر شعبان الموافق الأحد والإثنين والثلاثاء القادم بإذن الله ونكثر من قراءة القرآن ومن الذكر وصلة الرحم والصدقة لكي ترفع أعمالنا ونحن صائمون وذاكرون ومتصدقون وواصلون للرحم أسأل الله العظيم أن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته وأن يرزقنا الإخلاص والقبول وصلى اللهم وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيرا والحمد لله رب العالمين